*
الرجل الذي يمشي أو يكمن ليلا في طرقات أرض الهنود الحمر/ المايا. يمكنه أن ينتظر سماع صرخة تقول :" فواهو" ، صرخة قوية تخرج من الصمت . وسرعان ما يسمعها إلى جانبه: فواهو ! فواهو!
تنطلق الصرخة في الليل مثل سهم من قوس نشّاب. تأتي من هناك من الطريق الأمامي التي على العابر أن يمرّ بها. وفيما بعد يُسمع طيران يخمد بعيدا في الدرب ، وعندما يقترب الرجل ، يعاود الصمت إطلاق الصرخة الحادة: فواهو! فواهو!
هكذا، يمضي المسافر تخرج له الصرخة مع كل خطوة ، و يجفل ، وتتكرر الجفلات نفسها وربما حتى الشفق . ترى من يكون هذا المرافق الخفي للرجل؟ هذا الذي يمضي ويكمن ليلا في دروب أرض المايا؟ ولماذا يعتقد أن الرجل قريب ليقبض عليه بصرخته ؟ ومرة ثانية يبتعد ، ويعود ويحطّ في الطريق ثانية لينتظر ، ولا ييئس؟
لا أحد يمكنه توضيح ذلك إذا لم يكن أحد الهنود الصامتين والعارفين بأسرار الألغاز و التاريخ وروح الأشجار والأحجار وكل شيء من السماء حتى الأرض في المايا.
إنها حكاية فوهوي العصفور البريىء وفاقد الثقة الذي يخرج في الطرقات ، ليبحث عن أحد ما ، يخبره شيئا عن ذاك الذي منذ سنوات عدة سخر من نيته الطيبة وخدعه بلا شفقة.
والمسكين فوهوي لا يفقد الأمل بالعثور على ذلك الخدّاع. وعن ذلك يقول الهنود الحمر في المايا:
أراد الرب الأعظم إيقاف العداوة والخصومة بين الطيور ، فحاول أن يضع لها ملكا يحكمها بسلام،أعلن الرب الأعظم اقتراحه لكل الطيور ، ودعاها جيمعا كي تختار في يوم محدد الطير صاحب الحسنات الأكثر بينها.
فاحتشدت الطيور جميعها ، وبدأت تفكر بإظهار صفاتها الحميدة ، وكل منها يكاد يكون متأكدا انه سيكون هو الملك. قال البلبل جازما وهو الطير صاحب التغريد الأكثر حلاوة :
" يجب اختيار الطير صاحب الشدو الأجمل ". وبكل الثقة والمباهاة جرّب موسيقاه بعد أن حطّ على أعلى أغصان الغابة.
فكّرت البومة في داخلها ، :" بالتأكيد فإن الرب الأعظم سيختار الطير الذي ينظر ، ولكن أي من الطيور لا تمتلك النظر مثلي"! وثبتت عينيها الدائريتين في الليل ،وبدأت تتخيل الملوك.
قال الطاووس: " بالتأكيد سيتم اختيار الأكثر قوة ، وسأكون أنا المسمى لأصدر الأوامر بين المحتشدين الكثيرين". وهزّ جناحيه العريضتين ، وكذلك الغصن السميك الذي كان يقف عليه.
قال النسر : " بالتأكيد من أجل حكم جيد يجب رؤية العالم من مكان مرتفع ". وانطلق النسر في الهواء بطيران عال جدا عبر الغيوم.
قال الديك المكسيكي : " بالتأكيد فإن الملك سيكون من يصرخ بقوة أكبر فيجب إعطاء الأوامر بالشكل الذي يجعل الجميع يسمع وأنا !أنا ! الديك المكسيكي أنا قادر على ذلك فإذا صحت، فإني أسْمِعُ حتى القمر".
أمّا طائر الكاردينال** فقد قال : "بالتأكيد سأكون أنا الملك , فمن الملوكية أن تُلبس فروة من الأرجوان القرمزية فكأن ريشاتي شعلة متقدة ".
وهكذا شعر كل واحد من الطيور بالاطمئنان من فوزه.
كان الطاووس قد سمع ما قاله الآخرون من الطيور ، عندئذ كان للطاووس ريشات متسخة وشعثة وكئيبة. لم يكن قادرا على التفكير في إمكانية اختياره ، لأن بدنه كان ضخما ، وزيـّه كان بشعا وبائسا ، لم يكن كالطاووس الذي نعرفه اليوم.
بدأ الطاووس يفكر دون أن يفقد الأمل ، وجاء ليتفق مع صديقه الفواهوي الذي كان له ريش رائع. فقال الطاووس له: " يا صديقي تعال أحادثك بشيء يهمنا جدا نحن الاثنين: الرب الأعظم سيفكر بالتأكيد في تسمية الطير الأكثر جمالا والأكثر هيبة ملكا على الطيور،فأنت لك ريش وفير جدا، لكنك صغير ، وتنقصك العجرفة أمّا أنا فعلى العكس لدي بدن له حضور كبير وريشات أكثر وفرة . لكنني لا أقدر أن أعطيك بدني أما أنت فيمكنك إعارتي ريشاتك.
كان الفواهوي يستمع إلى صديقه ، فقال الطاووس له: "اسمع تعال ، نعقد صفقة, أنت تعيرني الريش إلى أن يتم اختياري من قبل الرب الأعظم ، وعندما أصبح ملكا أردّ الريشات لك ، وأكثر من ذلك سأتقاسم معك كل خيرات و تشريفات منصبي ".
فكر العصفور فواهوي في ذلك للحظة ، لكن الطاووس عاد يغريه بالوعود ، والعصفور الطيب والواثق لم يقو على الرفض. وهكذا بدأ الفواهوي بخلع ريشه ، وبوضعها لصديقه فيما الطاووس يثبتها جيدا حسب مقاسه. وبدأت تنمو وتنمو حتى صارت غطاءاً بديعا بذيلٍ رائعٍ تخرج منه ألوان الفضة والذهب.
: "أيها الصديق فواهوي ، سوف ترى الخيرات التي سنتقاسمها معا " . قال ذلك الطاووس وهو يختال بالجمال والبهرجة. وبقي المسكين فواهوي منزوع الريش تقريبا ويرتجف من البرد. ولما رأى طيوراً أخرى تأتي في الطريق تقترب منه أحس بالخجل واختبأ بين الأعشاب كي لا يرونه.
حلّ يوم الموعد أمام الرب الأعظم ، وحضرت جميع الطيور واثقة متأكدة ، لكنها عندما شاهدت الطاووس بحلّته الجديدة المذهلة فلقد بقيت مناقيرها مفتوحة من العجب والدهشة. فاختار الرب الأعظم الطاووس ملكا وسيدا للطيور.
ومضى الطاووس بعجرفته و بنكرانه للجميل بعد تلك اللحظة التي حقق فيها مبتغاه فلم يعد يتذكر فواهوي الطيب ، الذي ساعده وضحّى من أجله.
وفي يوم من الأيام عثرت الطيور على فواهوي المسكين مختبئا بين الأعشاب الطويلة ، فاستغربت لنحافته وحزنت لذلك ، عندها أعطاه كل واحد منهم ريشة من ريشاته،لهذا السبب للفوهويو ريش قليل ، ولهذا السبب و منذ ذلك الوقت يمضي خجولا لأنه فقد ريشه. ولهذا السبب وكي لا يرونه بهذه الحالة فإنه لا يخرج إلاّ في الليل, يخرج ليبحث عن الصديق النذل الذي خدعه !!ولأن الفواهوي طيب للغاية ، فإنه يظن أن الطاووس سيفي بوعده يوما ما.
الفوهوي الطيب لا يفقد الأمل أبدا ، ويخرج إلى الطرقات وعندما يرى الإنسان ، فإنه يقترب منه ويصرخ به :فواه!! فواه!! مرة وثانية يسأله إن كان قد شاهد الطاووس.
الرب الأعظم لا يترك الأفعال السيئة دون عقاب, لهذا لم يعد الطاووس يشدو كما كان يفعل سابقا بصوت عذب. فلقد علم الرب بالفعلة الشائنة التي فعلها فأمر أن لا يشدو الطاووس أبدا.
ومنذ ذلك الحين وفي كلّ مرة يحاول الطاووس فيها أن يطلق صوته للريح ، فإنه لا يجد سوى الزعيق والكركرة التي تجعل الطيور الأخرى تسخر منه.
* طائر صغير جاء اسمه من طبيعة الصوت الذي يطلقه (المترجم)
** طائر الكاردينال طائر أمريكي لون ريشه رمادي له خصلة شعر سوداء حول المنقار وغرة مرتفعة ( المترجم )